الحاسوبية الذاكرية و اضافة الذاكرة

فقط أضف ذاكرة(*)
---------------------------

يمكن للأنواع الجديدة من المكونات الإلكترونية، التي هي أقرب إلى العصبونات
منها إلى الترانزِستورات، أن تؤدي إلى «حوسبة ذاكرية (1)» أكفأ وأسرع كثيرا.
<D .M. ڤنترا> - <V .Y. پرشين>

 باختصار
  في جميع الحواسيب الحديثة تستعمل وحدة للعمليات الحسابية، ووحدة ذاكرة منفصلة توضع فيها البرامج والبيانات. وتستهلك حركة البيانات المكوكية ذهابا وإيابا بينهما كثيرا من الوقت والطاقة.

  لكن تصميما جديدا، يسمى حوسبة ذاكرية(1)، يعمل بطريقة تشبه طريقة عمل العصبونات في الدماغ البشري، حيث توجد كلتا وحدتي الحساب والخزن ضمن الوحدة الفيزيائية نفسها.

  ويمكن لهذا أن يعني قفزة كبرى في سرعة الحاسوب وكفاءته، إضافة إلى بنيان حوسبة جديد. لذا يحاول العلماء معرفة أفضل الطرق لاستعمال مكونات الحوسبة الذاكرية المختلفة.
 

عندما كتبنا الكلمات التي تقرؤها الآن، فإننا طبعناها باستعمال أفضل الحواسيب التي توفرها التقانة حاليا، والتي تعتبر شديدة البطء وكثيرة هدر الطاقة أثناء معالجتها للحسابات العلمية المهمة. وهي نموذج لجميع الأجهزة الحاسوبية الموجودة اليوم، من الهاتف الذكي الذي بين يديك إلى الحواسيب العملاقة التي تبلغ تكلفتها ملايين الدولارات وتعمل في أكثر مرافق الحوسبة تقدما في العالم.
 
وفي الكتابة استعملنا محرر النصوص Word، وهو برنامج جيد جدا ربما تكون أنت من مستعمليه أيضا. وعند كتابتنا للجملة ”عندما كتبنا الكلمات التي تقرؤها الآن“، كان على حاسوبنا أن ينقل مجموعة من الوحدان والأصفار - وهي طريقة تمثيل الحاسوب للنص المحرر - من منطقة ذاكرة مؤقتة إلى موقع آخر، هو وحدة المعالجة المركزية (cpu) ا(2)، عبر حزمة من الأسلاك. وتحوّل وحدة المعالجة تلك البيانات إلى الحروف التي نشاهدها على الشاشة. وللحفاظ على تلك الجملة من التلاشي عند إطفاء الحاسوب، على البيانات التي تمثلها أن تعود عبر حزمة الأسلاك نفسها إلى ذاكرة أكثر استقرارا مثل القرص الصلب(3).
 
ويحصل هذا النقل ذو الخطوتين بالاتجاهين لأن ذاكرة الحاسوب لا تستطيع حاليا معالجة البيانات، ولا تستطيع وحدات المعالجة حفظ البيانات. وهذا توزيع شائع للعمل، وهو يحصل في أفضل الحواسيب التي تقوم بأسرع أنواع الحسابات المسماة معالجة متوازية parallel processing، وذلك باستعمال عدة معالجات. والمشكلة هنا هي أن جميع تلك المعالجات تعتبر عرجاء بسبب هذه المحدودية.
 
لقد عكف العلماء على تطوير طريقة لدمج ما كان سابقا غير قابل للدمج، أي صنع دارات تتعامل مع الأعداد وتخزنها في الوقت نفسه. وهذا يعني الاستعاضة عن عناصر دارات الحاسوب الشائعة التي من مثل الترانزستورات والمكثفات والملفات بمكونات جديدة هي: مقاومات ذاكرية(4) memristors، ومكثفات ذاكرية(5) memcapacitors، وملفات ذاكرية(6) meminductors. وهذه المكونات متوفرة حاليا بصيغة تجريبية، وقد يمكن تجميعها قريبا في نوع جديد من الحواسيب يسمى حاسوباً ذاكرياً(7).
 
ويمكن للحواسيب الذاكرية أن تكون ذات سرعات لا نظير لها، وذلك بسبب قدرتها المزدوجة. فكل جزء من الحاسوب الذاكري يمكن أن يساعد على حساب نتيجة المسألة بطريقة جديدة من الحوسبة المتوازية الحالية العالية الكفاءة. ونظرا لأن المسائل الصعبة تُحل بواسطة ذاكرة الحاسوب وتخزن مباشرة في هذه الذاكرة، فإن ذلك يؤدي أيضا إلى اقتصاد الطاقة اللازمة حاليا لنقل البيانات ذهابا وإيابا ضمن الحاسوب العادي. ويمكن لهذا النوع الجديد من بنيان الحوسبة أن يغير طريقة عمل جميع أنواع الحواسيب، من الشيپات الضئيلة the tiny chips في هاتفك الذكي، حتى الحواسيب الفائقة العملاقة. إنه في الحقيقة تصميم قريب من طريقة عمل الدماغ البشري الذي يحفظ ويعالج البيانات في العصبونات(8) neurons نفسها.
 
وسوف تكون آلات الحوسبة الذاكرية الجديدة تلك سريعة جدا، فهي تستغرق مجرد ثوان لإجراء حسابات تحتاج الحواسيب الحالية إلى عقود لتنفيذها. وهي أيضا أصغر حجما وأقل استهلاكا للطاقة الكهربائية. ولم تُبنَ حواسيب ذاكرية كاملة حتى الآن، لكن تجاربنا باستعمال المكونات الجديدة تشير إلى أنه يمكن أن يكون لها تأثير كبير في تصميم الحواسيب والاستدامة الشاملة واستهلاك الطاقة الكهربائية، وفي مقدرتنا على إيجاد حلول لمسائل علمية مهمة.
 
دماغ إلكتروني قليل استهلاك الطاقة(**)
 
يحتاج نقل البيانات التي من مثل الجملة التي كتبناها بواسطة البرنامج Word على الحاسوب إلى مقدار ضئيل من الطاقة وإلى جزء من الثانية. لكن إذا فكرت فيما يحصل عندما تتضاعف الطاقة المبذولة نتيجة لذلك النقل جيئة وذهابا في التطبيقات الحاسوبية على نطاق عالمي، وجدت أنها تصبح هائلة جدا.
 
فقد ازدادت متطلبات الطاقة في المراكز الحاسوبية في العالم بين عامي 2011 و 2012 بنسبة مذهلة بلغت 58 في المئة. ولا يقتصر ذلك على الحواسيب الفائقة فقط بل يشمل أيضا جميع الأدوات في كل بيت، من الحواسيب حتى الأفران وأجهزة التلفاز التي تحتوي الآن جميعا على بعض المقدرة الحاسوبية. ويُقدر استهلاك قطاعي المعلومات والاتصالات مجتمعين من الطاقة الكهربائية حاليا بما يقرب من 15 في المئة من الاستهلاك العالمي. وبحلول عام 2030، سوف يكون استهلاكُ الإلكترونيات المنزلية والشخصية من الطاقة في العالم مساويا الاستهلاكَ المنزلي الحالي الكلي للولايات المتحدة الأمريكية واليابان مجتمعتين، وسوف تبلغ تكلفته 200 بليون دولار أمريكي سنويا. وهذا الاستئثار بالطاقة ليس قابلا للدوام.
 

ولا يمكننا تصحيح ذلك بتقليص مقاسات الترانزستورات، وهي العناصر الأساسية في الإلكترونيات الرقمية. وتتوقع خارطة الطريق العالمية لتقانة أشباه الموصلات(9) أن تصل صناعة الترانزستور إلى طريق مسدود بحلول عام 2016 على الأرجح، لأنه لا يمكن إدخال مزيد من التصغير في مقاسات مواد المكونات المتاحة حاليا، مع الحفاظ على قدراتها.
 
وسوف يصل البحث العلمي في بعض المسائل الملحة أيضا إلى طريق مسدود. فالمسائل المهمة، التي من مثل التنبؤ بأنماط الطقس العالمية، أو التنبؤ بحدوث أمراض في المجتمعات المختلفة باستقصاء قواعد بيانات جينومية كبيرة، سوف تتطلب المزيد والمزيد من الطاقة الحاسوبية، لأنها لا يمكن أن تعالج إلا بحوسبة شديدة التعقيد. وهنا يمكن للحواسيب الذاكرية أن تقتصد كثيرا من الطاقة، وذلك باجتنابها عملية نقل البيانات باستمرار بين وحدة المعالجة المركزية والذاكرة، تلك العملية الباهظة التكلفة والمستنزفة للطاقة والوقت.
 
طبعا، ليست الحواسيب الذاكرية أولى أجهزة معالجة المعلومات التي تقوم بالعمليات الحسابية والتخزين في مكان واحد. فالدماغ البشري يفعل ذلك أيضا، والحوسبة الذاكرية تستمد إلهامها من ذلك العضو السريع الكفء القابع فوق أكتافنا.
 
ووفقا للعديد من التقديرات، يستطيع الدماغ البشري المتوسط إجراء نحو عشرة ملايين بليون عملية في الثانية، وهو يستهلك لفعل ذلك من 10 إلى 25 واطاً فقط. أما الحاسوب الفائق، فيحتاج إلى أكثر من عشرة ملايين ضعف من تلك الطاقة لإجراء القدر نفسه من العمل. حتى إن الحاسوب لا يقترب من مقدرتنا على تنفيذ مهام معقدة من مثل تعرف الأشياء - كفصل صوت كلب ينبح عن صوت سيارة تمر في الطريق - على غرار ما نفعله في البيئة التي نعيش فيها الممتلئة بالضوضاء وغير القابلة للتنبؤ بها. وخلافا لما يجري في حواسيبنا الفائقة الحالية، لا تحصل الحسابات في الدماغ في مكانين، بل في العصبونات نفسها وعقدها(10). ويعني النقل الأقل للمعلومات تقليص استهلاك الطاقة والوقت. والحاسوب يستطيع إجراء الحسابات، واحدة تلو أخرى، على نحو أسرع مما يستطيعه البشر، لكنه يحتاج إلى عدد هائل من الترانزستورات لفعل ذلك.
 
وتعتمد الحواسيب عادة على استعمال تغذية كهربائية منفصلة لكل من البرامج والبيانات، وذلك لمنعها من التداخل معا أثناء المعالجة. فالتغيرات الفيزيائية في الدارة الناجمة عن البيانات الجديدة، التي من مثل الأحرف المكتوبة بواسطة البرنامج Word، يمكن أن تخرب أو تغير البرنامج أو البيانات. ويمكن درء ذلك إذا أمكن لعناصر دارة المعالج أن «تتذكر» آخر شيء فعلته، حتى بعد فصل التغذية الكهربائية. وحينئذ تبقى البيانات سليمة.
 
ثلاثة أجزاء من آلة جديدة(***)
 
وهذا هو ما تستطيع فعله عناصر الحوسبة الذاكرية: معالجة البيانات وخزنها بعد انقطاع الكهرباء. وأحد هذه المكونات الجديدة هي المقاومة الذاكرية. ولفهم عملها، تخيل أنبوبا يتغير قطره تبعا لاتجاه سريان الماء فيه. فعند سريان الماء من اليمين إلى اليسار، يتسع الأنبوب ويسمح لكثير من الماء بالمرور عبره. وعند سريانه من اليسار إلى اليمين، يضيق ويقل مقدار الماء المار فيه. وحين انقطاع الماء، يحتفظ الأنبوب بآخر قطر له، أي إنه يتذكر آخر مقدار للماء مر فيه.
 
استعضْ الآن عن الماء بالتيار الكهربي، وعن الأنبوب بمقاومة ذاكرية تتغير حالتها تبعا لكمية التيار المائي المار فيها كما يغير أنبوب الماء قطره - الأنبوب الأوسع يتصف بمقاومة كهربائية أقل، والأنبوب الأضيق يتصف بمقاومة أكبر. وإذا اعتبرت المقاومة عددا، واعتبرت تغيُّرها عملية حسابية، كانت المقاومة الذاكرية عنصر دارة يستطيع معالجة المعلومات ثم الاحتفاظ بها بعد انقطاع التغذية الكهربائية. إن المقاومة الذاكرية تستطيع الجمع بين عمل وحدة المعالجة وعمل الذاكرة في مكان واحد.
 
لقد أتى <O .L. شوا> [مهندس كهرباء في جامعة كاليفورنيا ببيركلي] بفكرة المقاومة الذاكرية في سبعينات القرن العشرين. وفي ذلك الوقت، لم تبدُ نظريته عملية. فالمواد التي استعملت لصنع الدارات لم تكن تحتفظ بآخر حالة لها كأنبوب الماء التخيلي، ولذا بدت الفكرة عقيمة. لكن على مر العقود، استطاع المهندسون وعلماء المواد تحقيق مزيد من السيطرة على مواد الدارات التي صنعوها، وذلك بإضفاء خواص جديدة عليها. وفي عام 2008، أنتج <S. وليامز> وزملاؤه لدى الشركة Hewlett-Packard عناصر ذاكرة يمكنها تغيير قيمة المقاومة والاحتفاظ بها بعد التغيير. فقد قاموا بتركيب مادة من ثنائي أكسيد التيتانيوم وصنعوا منها عنصرا كهربائيا لا يزيد عرضه على بضع عشرات من النانومترات(11). وفي مقالة في مجلة Nature ا(12)، بَيّن العلماء أن ذلك العنصر قد احتفظ بحالة تحددت بالقيمة السابقة للتيار الذي مر فيه. وأصبح الأنبوب التخيلي حقيقة.
 
وقد تبين أنه يمكن صنع تلك العناصر من مواد مختلفة كثيرة، وأنها يمكن أن تكون بمقاسات من رتبة بضعة نانومترات. وتعني المقاسات الصغيرة إمكان حشر الكثير من تلك العناصر ضمن مساحة محدودة، ولذا يمكن وضعها في أي نوع من التجهيزات. ويمكن صنع كثير من تلك العناصر في مرافق صناعة أشباه الموصلات نفسها التي نستعملها الآن لصنع المكونات الحاسوبية؛ ولذا يمكن إنتاجها على نطاق صناعي.
 
والمكون الرئيسي الآخر الذي يمكن استعماله في الحوسبة الذاكرية هو المكثفة الذاكرية the memcapacitor. إن المكثفات العادية هي عناصر تخزن شحنات كهربائية من دون أن تغير حالتها أو سعتها، مهما كان مقدار الشحنة التي تتراكم فيها. وهي تستعمل في الحواسيب الحالية عموما في نوع خاص من الذاكرة يسمى الذاكرة الديناميكية ذات النفاذ العشوائي (DRAM) ا(13) التي تخزن برامج الحاسوب في حالة تأهب بحيث يمكن نقلها بسرعة إلى وحدة المعالجة عند استدعائها. أما المكثفة الذاكرية، فلا تخزن الشحنات فحسب، بل تغير سعتها أيضا تبعا لآخر جهد كهربائي طبق عليها. وهذا يضفي عليها القدرة على الخزن والمعالجة. ونظرا لأن المكثفة الذاكرية تخزن شحنات، أي طاقة، فيمكن تدوير الطاقة أثناء الحوسبة، وهذا ما يساعد على تقليل استهلاك الطاقة الكلي. (وعلى النقيض من ذلك، تستهلك المقاومات الذاكرية جميع الطاقة التي توضع فيها.)
 
وتتوفر في الأسواق حاليا أنواع من المكثفات الذاكرية المصنوعة من مواد فرّوكهربائية ferroelectric غالية الثمن نسبيا، وهي تستعمل لخزن البيانات. وتقوم مختبرات الأبحاث أيضا بتطوير نماذج لمكثفات ذاكرية من السليكون الرخيص الثمن، وذلك لخفض تكلفة تصنيعها بما يسمح باستعمالها في الحوسبة.
 
والملف الذاكري the meminductor هو العنصر الثالث في الحوسبة الذاكرية. وهو ذو نهايتين، ويخزن الطاقة مثل المكثفة الذاكرية، ويسمح بسريان التيار الكهربي فيه مثل المقاومة الذاكرية. وهذا الملف متوفر حاليا في الأسواق لكن بأحجام كبيرة إلى حد ما، لأنه يعتمد على وشائع مغنطيسية سلكية كبيرة، ولذا سوف يكون من الصعب استعماله في الحواسيب الصغيرة. إلا أن التقدم في علوم المواد يمكن أن يغير ذلك في المستقبل القريب، على غرار ما حصل للمقاومة الذاكرية قبل بضع سنوات.
 

[مكونات]
ثلاث لبنات بناء للحاسوب الذاكري(****)
  تستعمل في الدارات الكهربائية الحديثة ثلاثة مكونات تستجيب للمدخلات الكهربائية. فالمقاومات تعيق التيار الكهربائي الذي يمر فيها، والمكثفات تخزن الشحنات الكهربائية، والملفات تحول التيار الكهربائي إلى حقل مغنطيسي. (تستعمل الترانزستورات في الحاسوب عادة بدلا من المقاومات). وعند انقطاع التيار الكهربائي، تعود تلك العناصر إلى حالتها الأصلية. أما نماذج الحوسبة الذاكرية من هذه المكونات، فتحتفظ بحالتها بعد تغيرها، ولذا تعتبر «ذاكرة» تسمح بإجراء حسابات معقدة بسرعة كبيرة. (تمثل الخطوط الحمراء في الأشكال التالية رموز تلك العناصر في الكهرباء.)
  مقاومة ذاكرية
  تغير هذه التجهيزة device قيمة مقاومتها تبعا لكمية التيار المار فيها، وتحتفظ بآخر قيمة لها. وبذلك تستطيع معالجة البيانات والاحتفاظ بها على غرار الذاكرة.
  مكثفة ذاكرية
  لا تحتفظ هذه التجهيزة بالشحنات الكهربائية فقط بل تغير حالتها، أو سعتها، أيضا بناء على القيمة السابقة للجهد الكهربائي(14) المطبق عليها. وهذا يعطيها القدرة على معالجة البيانات وخزنها. ويمكن تدوير أي طاقة غير مستهلكة لاستعمالها في عمليات حسابية أخرى، وفي ذلك اقتصاد للطاقة.
  ملف ذاكري
  على غرار المقاومة الذاكرية، تسمح هذه التجهيزة بمرور التيار الكهربائي فيها. وهو كالمكثفة الذاكرية يخزن الطاقة أيضا. ويسمح هذا الجمع بين مرور التيار وخزن الطاقة للملف الذاكري بمعالجة المعلومات وخزنها فيه بوصفه ذاكرة حاسوبية.
 

وفي عام 2010، بدأنا بمحاولة إثبات أن الحاسوب الذاكري يمكن أن ينفذ الحوسبة على نحو أفضل مما يحصل في البنيان الحاسوبي الحالي. وكانت إحدى المسائل التي ركزنا الاهتمام فيها هي إيجاد طريقة للخروج من متاهة. فقد بقيت برامج الخروج من المتاهات مدة طويلة، طريقه لاختبار كفاءة العتاد الحاسوبي. وتقوم الخوارزميات المستعملة عادة في حل المتاهات باستكشاف المتاهة في خطوات صغيرة متتالية. وعلى سبيل المثال، إحدى أفضل الخوارزميات المعروفة في هذا المجال، هي ما يسمى متتبع الجدار wall follower. وهذا البرنامج ينتقل بحسابات متتالية مضنية من مدخل المتاهة إلى مخرجها متتبعا جدرانها عند جميع منعطفاتها ودوراناتها، متجنبا الأمكنة الشاغرة حيث تنتهي الجدران. لكن هذا النهج بطيء لأنه يقوم على البحث المتسلسل، خطوة تلو أخرى.
 
وقد أثبتنا بالمحاكاة أن الحوسبة الذاكرية تحل مشكلة المتاهة بسرعة مذهلة. تخيل شبكة من المقاومات الذاكرية التي توجد واحدة منها عند كل منعطف في المتاهة، وجميعها في حالة مقاومة كبيرة. فإذا طبقنا نبضة كهربائية واحدة بين نقطتي الدخول إلى المتاهة والخروج منها، فإن التيار سوف يمر عبر طريق الحل فقط، لأنه سوف يُمنع من الجريان عند النهايات المسدودة في المسارات الأخرى. وحين جريان التيار، فإنه سوف يغير قيم المقاومات الذاكرية التي يمر فيها. وبعد تلاشي النبضة، سوف يكون حل المتاهة مخزونا في المقاومات التي تغيرت قيمها فقط. وقد حسبنا وخزنا الحل بخطوة واحدة فقط، لأن جميع المقاومات الذاكرية تحسب الحل على التوازي في الوقت نفسه.
 

[كيفية عمل المقاومة الذاكرية]
قوة الذاكرة(*****)
  تستجيب المقاومة الذاكرية، وهي أحد مكونات الحوسبة الذاكرية الجديدة، بطرق مختلفة لمستويات التيار الكهربائي المختلفة. وفيما يلي ثلاثة تغييرات تحصل فيها وتمثل أساس الذاكرة حين الاحتفاظ بها:
  مقاومة طبيعية
  حين مرور تيار كهربائي ضعيف في مقاومة ذاكرية، تكون لها قيمة معينة عند ذلك التيار. وقد جرى التعبير عن تلك القيمة هنا بعرض الأنبوب. وفي الحاسوب، يمكن اعتبار المقاومة عددا يؤدي إلى عملية حسابية. وعند انقطاع التيار الكهربي، يبقى الأنبوب بالعرض نفسه.
  مقاومة منخفضة
  عند مرور تيار قوي في المقاومة الذاكرية، تنخفض قيمتها على النحو الممثل بأنبوب أوسع. ويعتبر هذا التغير عددا مختلفا عن ذلك الموجود في التشكيلة الأصلية، وهذا ما يسمح بمعالجة المعلومات. وعند انقطاع التيار الكهربائي، تحتفظ المقاومة الذاكرية بآخر قيمة لها، وهذا ما يجعلها تعمل بوصفها ذاكرة. أما في الحواسيب الحالية، فتبقى المقاومات على حالتها الأصلية.
  مقاومة عالية (تيار عكسي)
  يمكن لقيمة المقاومة الذاكرية أيضا أن تزداد إذا انعكس اتجاه التيار المار فيها، وهذا ممثل بأنبوب أضيق. ومرة أخرى، لا يعود الأنبوب إلى حالته الأصلية حين فصل التيار الكهربائي، وهذا ما يضيف إليه خاصية الذاكرة إلى جانب خاصية المعالجة.
 

إلا أن هذا النوع من المعالجة المتوازية يختلف كليا عن الطرائق الحالية من الحوسبة المتوازية. ففي الحاسوب المتوازي الشائع اليوم، يقوم عدد كبير من المعالجات بتنفيذ أجزاء مختلفة من البرنامج، ثم تتصل تلك المعالجات معا للخروج بالنتيجة النهائية. وهذا لا يزال يتطلب الكثير من الطاقة والوقت لنقل البيانات بين المعالجات ووحدات الذاكرة التابعة لها والمنفصلة عنها فيزيائيا. أما في نظامنا للحوسبة الذاكرية، فهذا ببساطة ليس ضروريا.
 
وفي الواقع، تظهر مزايا الحوسبة الذاكرية عندما تطبق على واحدة من أصعب المسائل التي تواجهنا في علم الحاسوب، وهي حساب جميع خصائص سلسلة طويلة من الأعداد الصحيحة. وهذا هو التحدي الذي يواجه الحاسوب عند فك شيفرة رموز معقدة(15). وعلى سبيل المثال، أعطِ الحاسوب 100 عدد صحيح، واطلب إليه أن يجد من بينها مجموعة جزئية واحدة على الأقل مجموعها يساوي الصفر. فعلى الحاسوب حينئذ اختبار المجموعات الجزئية الممكنة كلها، وجمع أعداد كل منها. أي إنه سوف يستقصي التشكيلات الممكنة كلها، واحدة تلو أخرى، وهذا يؤدي إلى زيادة أُسّيّة هائلة في وقت المعالجة. فإذا استغرق اختبار 10 أعداد ثانيةً واحدة، فإن اختبار 100 عدد صحيح قد يستغرق 1027 ثانية، أي ما يعادل ملايين التريليونات من السنين.
 
وعلى غرار مسألة المتاهة، يمكن للحاسوب الذاكري تحديد المجموعات الجزئية كلها، وحساب مجموع كل منها، بخطوة واحدة فقط على نحو متوازٍ فعلا، وذلك لأنه ليس عليه نقلها ذهابا وإيابا بين المعالج (أو المعالجات) والذاكرة في سلسلة من الخطوات المتتابعة. ولا يستغرق نهج الخطوة الواحدة هذا سوى ثانية واحدة فقط.
 
لكن، على الرغم من هذه الميزات وعلى الرغم من أن المكونات قد صنعت في المختبرات فعلا، فإن شيپات الحوسبة الذاكرية لم تصبح متاحة تجاريا بعد. ويجري حاليا اختبار نماذج أولية في مراكز أكاديمية، ومن قبل عدد قليل من المصنعين، وذلك لمعرفة ما إذا كانت التصاميم الجديدة غير المجربة ملائمة بقدر كاف، حين استعمالها على نحو متكرر، لتكون بديلا عن شيپات الذاكرة الحالية المصنوعة من الترانزستورات والمكثفات المعهودة، والمستعملة في الذواكر USB وذواكر الحالة الصلبة. ويمكن لتلك الاختبارات أن تستغرق مدة طويلة، لأن المكونات يجب أن تعمل سنوات كثيرة من دون إخفاق كي تثبت صلاحيتها.
 
ونحن نعتقد أن بعض تصاميم الحوسبة الذاكرية يمكن أن يكون جاهزا للاستعمال في المستقبل القريب جدا. على سبيل المثال، اقترحنا في عام 2013، بالتعاون مع باحثين من جامعة البوليتكنيك في تورين بإيطاليا هما <L .F. تراڤيرسا> و <F. بوناني>، مفهوما يسمى ذاكرة الحوسبة الديناميكية ذات النفاذ العشوائي (DCRAM)ا(16). والهدف منه هو استبدال الذاكرة المعتادة التي توضع فيها البرامج والبيانات قبل استدعائها من قبل المعالج. وفي هذه الذاكرة التقليدية، تُمثَّل كل بتة bit من المعلومات التي يتألف منها البرنامج بشحنة تخزن في مكثفة واحدة. وهذا يستدعي وجود عدد كبير جدا من المكثفات لتمثيل البرنامج الواحد.
 
لكن إذا استعضنا عن تلك المكثفات بمكثفات ذاكرية، أمكن تمثيل جميع العمليات المنطقية المختلفة في البرنامج بعدد صغير جدا من المكثفات الذاكرية التي تحتل الحيز نفسه الذي تحتله تلك الذاكرة. إن المكثفات الذاكرية تستطيع الانتقال من عملية منطقية إلى أخرى آنيا تقريبا عندما نطبق عليها جهودا كهربائية مختلفة. ويمكن تنفيذ تعليمات الحوسبة التي من مثل ”do x AND y”، “do x OR y”، “ELSE do z“ بمكثفتين ذاكريتين فقط بدلا من العدد الكبير من المكثفات والترانزستورات الثابتة العادية، دون أن يكون علينا أن نغير البنيان الفيزيائي الأساسي لتنفيذ الوظائف المختلفة. وحاسوبيا يسمى هذا تعددية شكلية polymorphism، أي قدرة العنصر الواحد على تنفيذ عمليات مختلفة تبعا لنوع إشارة الدخل. ويتصف دماغنا بهذا النوع من التعددية الشكلية، ولذا لسنا بحاجة إلى تغيير بنيانه لتنفيذ المهام المختلفة. أما حواسيبنا الحالية، فلا تمتلك هذه الخاصية؛ لأن دارات معالجاتها ثابتة. وفي الحوسبة الذاكرية، حيث تحصل الحسابات ضمن منطقة الذاكرة نفسها، وتخزن نتائج الحسابات في المكان نفسه، ينعدم الوقت والطاقة اللازمان لنقل البيانات ذهابا وإيابا بين الذاكرة والمعالج.
 
ويمكن بناء هذه المنظومات بواسطة معامل التصنيع الحالية. فهي لا تحتاج إلى قفزة تقانية كبرى. أما ما يمكن أن يعوقها فهو الحاجة إلى تصميم برمجيات جديدة للتحكم فيها. فنحن لا نعرف حتى الآن ما هي أكثر أنواع أنظمة التشغيل كفاءة لقيادة هذه التجهيزات الجديدة. لذا يجب بناء التجهيزات أولا، وبعدئذ يمكن اختبار البرمجيات واستمثالها(17). وهذه هي عملية التصميم نفسها التي اتبعها علماء الحاسوب عندما صمموا أجهزتنا الحالية.
 
وعلى العلماء أيضا إيجاد أفضل طريقة لدمج العناصر الذاكرية الجديدة في حواسيبنا الحالية. وقد يكون من المفيد الإبقاء على المعالجات الحالية للتعامل مع المهام البسيطة التي من مثل كتابة الجملة الافتتاحية لهذه المقالة بمحرر النصوص Word، واستعمال عناصر الحوسبة الذاكرية في الآلة نفسها للعمليات التي هي أكثر تعقيدا والمستنزفة للوقت. وحينئذ، سوف يكون علينا بناء التجهيزات واختبارها، وتكرار بنائها واختبارها حتى اكتمال نضجها.
 
ومن المغري أن نرى إلام سوف تقودنا هذه التقانة. وبعد البناء والاختبار، قد تكون بين أيدينا آلة صغيرة يمكن حملها باليد، وتستطيع التعامل مع مسائل شديدة التعقيد من مثل تعرف الأشكال ونمذجة مناخ الكرة الأرضية بدقة كبيرة جدا. وذلك شيء يمكنها القيام به بخطوة حسابية واحدة، أو ببضع خطوات، بتكلفة وطاقة منخفضتين جدا.
 
أفلا تقف في الطابور للحصول على واحدة منها؟


المؤلفان
 
     Massimiliano Di Ventra - Yuriy V. Pershin     
<ڤنترا> أستاذ في قسم الفيزياء بجامعة كاليفورنيا في سان دييكو.
 
<برشين> أستاذ مساعد في قسم الفيزياء والفلك بجامعة ساوث كارولاينا.

  مراجع للاستزادة

Missing Link of Electronics Discovered: Memristor, JR Minkel; ScientificAmerican.com, May 1,2008

Putting Memory into Circuit Elements: Memristors, Memcapacitors, and Meminductors. M. Di Ventra, Y. V. Pershin and L. O. Chua in Proceedings of the IEEE, Vol. 97. 8, pages 1371-1372; August 2009.

Experimental Demonstration of Associative Memory with Memristive Neural Networks. Yuriy V. Pershin and Massimiliano Di Ventra in Neural Networks, Vol. 23, No. 7, pages 881-886; September 2010.

Solving Mazes with Memristors: A Massively Parallel Approach. Yuriy V. Pershin and Massimiliano Di Ventra in Physical Reviews E, Vol. 84, No. 4, Article No. 046703; October 14, 2011.

The Parallel Approach. Massimiliano Di Ventra and Yuriy V. Pershin in Nature Physics, Vol. 9, pages 200-202; April 2013.

Dynamic Computing Random Access Memory. F. L. Traversa et al. in Nanotechnology, Vol. 25, No. 28, Article No. 285201; July 2014.


(*)Just Add Memory
(**)AN ELECTRONIC, ENERGY-EFFICIENT BRAIN
(***)THREE PARTS OF A NEW MACHINE
(****)Three Memcomputer Building Blocks
(*****)The Power of Memory
 

(1) memcomputing
(2) the central processing unit
(3) hard drive
(4) المقاومة الذاكرية هي مقاومة تعتمد قيمتها على مقدار التيار الذي مرَّ عبرها سابقا.
(5) المكثفة الذاكرية هي مكثفة تعتمد سعتها الحالية على قيمة الشحنة التي خزنت فيها سابقا.
(6) الملف الذاكري هو ملف يعتمد تحريضه الحالي على قيمة التيار الذي مرَّ عبره سابقا.
(7) memcomputer
(8) أو: النورونات.
(9) The International Technology Roadmap for Semiconductors
(10) synapass
(11) nanometers؛ النانومتر جزء من بليون جزء من المتر.
(12) مجلة Nature هي مجلة علمية مرموقة متعددة التخصصات تصدرها مجموعة نيتشر للنشر Nature Publishing Group؛ وهذه المجموعة تُصدر أيضا مجلة Sc. Am.، ومجلة العلوم هي الترجمة العربية لهذه المجلة منذ عام 1986.
(13) dynamic random-access memory
(14) voltage
(15) decipher complex codes
(16) dynamic computing random-access memory
(17) optimized