بمحصول جديد هي سبب رئيسي في تدهور الأرض الصالحة للزراعة.
ولذلك يتطلع العديد من المزارعين إلى جعل الحراثة شيئا من الماضي.
<R.D. هگنز> - <P.J. ريگانولد>
يحرث معظم المزارعين في العالم أراضيهم استعدادا لبذر المحاصيل. إن
ممارسة قلب التربة قبل الزراعة تطمر بقايا المحصول والسماد الحيواني
والأعشاب المزعجة، إضافة إلى تهوية التربة وتدفئتها. ولكن تجريد التربة
وتخريبها بهذه الطريقة يجعلانها معرضة للتعرية والانجراف بوساطة
الرياح والمياه. وتُعدُّ الحراثة سببا أساسيا في تدهور الأراضي الزراعية ـ
وهذه واحدة من أهم المشكلات البيئية الخطيرة على امتداد العالم ـ مما
يهدد إنتاج الغذاء والحياة الريفية، وبخاصة في المناطق الفقيرة الكثيفة
السكان في العالم النامي [انظر المؤطر في الصفحة 46]. في نهاية السبعينات من القرن الماضي، كانت تعرية التربة قد أزاحت 100% من التربة السطحية ل10% من أراضي المحاصيل الزراعية في پالوس، هذا إضافة إلى إزاحة 25 إلى 75% من التربة السطحية ل60%
أخرى من تلك الأراضي. وإضافة إلى ذلك، فإن الحراثة يمكن أن تفاقم
انجراف الرواسب والأسمدة والمبيدات إلى الأنهار والبحيرات والمحيطات.
وعلى النقيض من ذلك، تهدف الزراعة من دون حراثة إلى جعل تخريب التربة
في حده الأدنى. ويترك ممارسوها بقايا المحصول في الحقول بعد الحصاد،
حيث تقوم بدور مهاد mulch يحمي
التربة من التعرية ويزيد إنتاجيتها. ويستعمل المزارعون في زراعة البذار
بذَّارات مصممة خصيصا لتخترق هذه البقايا إلى التربة غير المخربة، حيث
يمكن للبذور عندها أن تنتش وتُظهر إلى السطح محصولا جديدا.
لقد توسعت الزراعة بهدف إطعام الأعداد المتزايدة من البشر، ونتج من
ذلك تأثير كبير في البيئة وصحة الإنسان والتنوع الحيوي. ولكن ندرك
الآن ـ آخذين في الاعتبار معرفتنا بالقدرة الاستيعابية للكرة الأرضية ـ
أن إنتاج ما يكفي من الغذاء حاليا ليس بكافٍ، حيث يجب أن يتم ذلك بشكل
مستدام أيضا. فالمزارعون يحتاجون إلى أن ينتجوا محاصيل ملائمة ذات نوعية
عالية، وأن يحفظوا الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، وأن يحصلوا على
تمويل كافٍ للبقاء، وأن ينصفوا عمالَهم ومجتمعهم [انظر: «الزراعة
المستدامة»، مجلة العلوم، العدد8 (1992) ، ص 14].
ويمتلك نظام عدم الحراثة إمكانية تحقيق هذه الرؤية لزراعة أكثر
استدامة. وكما هو الحال في أي نظام جديد، هناك سلبيات لنظام عدم
الحراثة. ومع ذلك، فإن مزارعين في بعض أجزاء من العالم يهجرون محاريثهم
بشكل متزايد.
استخدم الناس طريقتي الحراثة وعدمها لإنتاج الغذاء من الأرض منذ بداية تنمية محاصيلهم الخاصة، وذلك منذ حوالي 000 10
عام. وعند التحول من الصيد وجمع الغذاء إلى تنمية المحاصيل، زرع أسلافنا
من العصر الحجري الحديث قطعا من الحدائق حول مساكنهم وبحثوا عن الأغذية
الأخرى في البرية. وأنجز بعضهم الصورة الأقدم لأسلوب عدم الحراثة بعمل
حُفر في التربة بواسطة عصا وإلقاء البذور في كل حفرة ثم تغطيتها بالتربة.
كما شق آخرون الأرض بعصا لوضع البذور تحت السطح، وهذا شكل أولي من
الحراثة. ولا يزال الآلاف من مزارعي البلدان النامية يتبعون هذه الطرق
البسيطة في زراعة محاصيلهم.
ومع مرور الوقت، أصبح توظيفُ الآلات للعمل في التربة الأساس في
زراعة المحاصيل ومكافحة الأعشاب الضارة، والفضل يعود إلى دخول المحراث
الذي وفّر بجهد أقل عطاءً أكثر. وأولى هذه الأدوات كان الخربوش (محراث
النبش scratch plows)
الذي يتألف من إطار يحمل سارية خشبية رأسية، وكان يُسْحب خلال طبقة
التربة العليا. ومن المحتمل أن يكون قد شغّل النماذج الأولى لهذا
الاختراع شخصان: أحدهما يسحب الأداة والآخر يقودها. ولكن تدجين حيوانات
الجر مثل الثيران في بلاد ما بين النهرين، في وقت قد يكون أبكر من 6000 ق.م ـ حل بديلا عن القوة البشرية. وحدث التطور الرئيسي التالي حوالي 3500 ق.م ـ وذلك عندما صنع المصريون والسومريون «شفرة المحراث plowshare»
على شكل أداة خشبية تشبه الوتد أو الإسفين، في قمته نصل حديدي يمكن أن
يخلخل الطبقة العليا للتربة. واستعمل الأوروبيون في القرن 11 تطويرا عن هذا الاختراع تضمن نصلا منحنيا، أطلق عليه اسم الدُّجْر (المحراث القلاب) moldboard، وهو المحراث الذي يقلب التربة حالما تصبح مُفتتة.
لقد
مكن التقدم المستمر في تصميم المحراث من تفجير الزراعة الرائدة في منتصف
القرن التاسع عشر، حيث استعاض المزارعون عن الأعشاب المحلية ـ التي سادت
في مروج شرق أوروبا وجنوب إفريقيا وكندا وأستراليا ونيوزلندا والولايات
المتحدة ـ بالذرة والقمح ومحاصيل أخرى. إلا أن مروج الأعشاب الطويلة في
الوسط الغربي للولايات المتحدة قاومت هذا الانتشار السريع للزراعة، حيث
كانت الطبقة العليا اللزجة الثخينة حائلا دون الزراعة. ولكن في عام 1837 اخترع حداد من إلينوي اسمه <J. ديير> محراثا مصقولا ذا عقفاء من الفولاذ يستطيع تحطيم الطبقة العليا من المرج sod.
واليوم تُعدُّ هذه الأراضي العشبية التي تشتمل على مقدار كبير من حزام
الذرة المشهور، الموطن لأحد أكثر مناطق العالم إنتاجا زراعيا.
استمرت
المكننة الزراعية خلال أوائل القرن العشرين بتطوير العديد من الأدوات
التي ساعدت المزارعين على استثمار زراعة الأرض بقدر أكبر، بما في ذلك
الجرارات القادرة على سحب محاريث عدة في آن معا. ومع ذلك فقد كانت
ممارسات الحراثة على وشك أن تخضع لتفحص دقيق. لقد كشفت الفترة الواقعة
بين عامي 1931 و 1939 حقبة توصف بأنها عهد العواصف الغبارية Dust Bowl
(زمن العجاج)، عن هشاشة الزراعة القائمة على الحراثة، حيث عصفت الرياح
بالتربة العليا النفيسة وأزاحتها بعيدا عن السهول التي أتلفها الجفاف
في جنوب الولايات المتحدة مخلِّفة وراءها محاصيل ومزارع ضعيفة. وهكذا
وُلدت حركة المحافظة على التربة وبدأ المزارعون باستكشاف طرق للحد من
الحراثة وترك بقايا المحصول عامل حماية يغطي التربة. ومما أثار الجدل
النشرة التي صدرت عام 1943 في مجلة «حماية الفلاح Plowmans Folly» للزراعي <E.
فولكنر> الذي فَنَّد فيها الحاجة إلى الحراثة، وأصبح هذا الاقتراح
المتطرف <لفولكنر> أكثر قابلية للدفاع عنه مع تطوير مبيدات
الأعشاب مثل 2,4-D, atrazine والپاراكوات paraquat بعد الحرب العالمية الثانية. وبدأت الأبحاث الجدية عن الطرق الحديثة للزراعة من دون حراثة خلال الستينات من القرن الماضي.
وبالنظر
إلى الدور المحوري الذي أخذ المحراث يؤديه في الزراعة، فإن تخيل طريقة
للقيام بالعمل من دونه تُعد تحديا حقيقيا، وتتطلب إعادة اكتشاف كافة
أوجه الإنتاج الزراعي فعليا. إلا أنه اعتبارا من ستينات القرن الماضي
بدأت بالظهور بذّارات صممت لتلبية المتطلبات الفريدة لمكننة الزراعة من
دون حراثة. إن هذه البذّارات الحديثة مع المبيدات الكيميائية للأعشاب
هما التقانتان الجديدتان الأساسيتان اللتان مكنتا المزارعين في النهاية
من أن يمارسوا بفعالية الزراعة من دون حراثة على المستوى التجاري.
الانخراط في عدم الحراثة(****)
يُحَضِّر
المزارعون هذه الأيام للزراعة بطرائق تُخلخل التربة إلى درجات مختلفة.
فالحراثة بالمحراث القلاب تقلب رأسا على عقب أول 6 إلى 10 بوصات
من التربة، طامرة معظم البقايا؛ في حين يفتت المحراث ذو الإزميل
الطبقة العليا فقط ويحفظ البقايا أكثر على السطح. وعلى العكس من ذلك، تجعل
طرائق عدم الحراثة في كل خط زراعة أخدودا بعمق نصف بوصة إلى ثلاث
بوصات يمكن للبذور أن تسقط فيه، مما ينتج منه حد أدنى من إجمالي تخلخل
التربة. وتندرج الزراعة من دون حراثة في الولايات المتحدة ضمن التعريف
الأوسع لوزارة الزراعة الأمريكية، وهو الحراثة الحافظة(1). وتشمل الحراثة الحافظة أية طريقة تُبقي كمية كافية من بقايا المحصول السابق، بحيث يكون 30
في المئة من سطح التربة على الأقل مغطى بعد الزراعة. إن الآثار
الواقية لهذه البقايا ملموسة. ووفقا لبيانات قائمة الموارد الطبيعية
لوزارة الزراعة الأمريكية فإن تعرية التربة بالمياه والرياح في أراضي
المحاصيل الأمريكية انخفضت 43 في المئة ما بين عامي 1982 و 2003، ومعظم هذا الانخفاض بسبب تبني الحراثة الحافظة.
لا
تُعدُّ حماية التربة الفائدة الوحيدة من عدم الحراثة، لأن بقايا
المحصول على سطح التربة تساعد على زيادة نفاذيتها للماء وتمنع جريانه.
إن إنقاص هذا الجريان يحد بدوره من تلوث موارد المياه المجاورة الناجم
عن نقل الرسوبيات والأسمدة والمبيدات. كما تساعد هذه البقايا على حفظ
الماء بالحد من التبخر. وفي الحالات التي تكون فيها إتاحة الماء محددة
لإنتاج المحصول، فإن زيادة حفظ الماء يمكن أن تعني محاصيل أعلى إنتاجية
أو إمكانات جديدة لزراعة محاصيل بديلة.
عقبات تبني عدم الحراثة(*****)
على
الرغم من أن عدم الحراثة قابل للتطبيق نظريا في معظم
المزارع حول العالم، فإن تكلفة التجهيزات الضرورية ومبيدات
الأعشاب تعد معيقة بالنسبة إلى العديد من المزارعين الذين
يمتلك معظمهم مزارع صغيرة. فإذا نحّينا التكلفة الضرورية
جانبا، فإن الفقر بحد ذاته يقود هؤلاء المزارعين إلى
استعمال بقايا المحصول وفضلات الحيوانات وقودا، على سبيل المثال.
كما أن حراثة الأرض تكفل للمزارع على المدى القصير مكاسب أكثر إلى
حد ما من استثمار بعيد المدى لاكتساب المعرفة اللازمة من
أجل نجاح أسلوب عدم الحراثة.
إن 85 في المئة تقريبا من أصل525 مليون مزرعة في العالم مساحتها أقل من 5 إيكر. والقسم الأعظم من هذه المزارع الصغيرة ـ حوالي 87 في المئة ـ يقع في آسيا (الصورة أعلاه)، و8 في المئة في إفريقيا. وتبني عدم الحراثة في هذه المناطق، حيث تكون الفوائد المحتملة هي الأعلى، مهمل عمليا.
|
ويزيد أسلوب عدم الحراثة من التنوع في «فلورا(2)» و «فونا(3)»
التربة بتقديم الغذاء لأحياء التربة من بقايا المحاصيل، مثل ديدان
الأرض، وفي استقرار موائلها. وإضافة إلى زيادة المادة العضوية للتربة،
فإن هذه الظروف تساعد الترب على تطوير بنية داخلية أكثر ثباتا، تُعزز
القدرة الكلية على تنمية المحاصيل ووقايتها من الإجهادات التي تسببها
عمليات الزراعة أو الأخطار البيئية. وبناء على ذلك، فإن عدم الحراثة
يمكن أن يؤمن زراعة أكثر استدامة للأراضي المعتدلة الانحدار إلى
شديدته التي تكون معرضة لأخطار التعرية والمشكلات الأخرى.
تستفيد
الأحياء البرية أيضا من عدم الحراثة، لأن وجود بقايا المحصول والفقد
الذي لا يمكن تحاشيه من الحبوب يقدمان الغطاء والغذاء للطرائد من
الطيور والأنواع الأخرى. وقد وجد باحثون في أيوا في دراسة نشرت في عام 1986، اثني عشر نوعا من الطيور تعشعش في حقول غير محروثة، مقارنة بثلاثة أنواع فقط في الحقول المحروثة.
إضافة إلى ما سبق، فإن إنقاص الحراثة يرفع من تشظي كربون التربة(4)،
مقارنة بحراثة القلاب التقليدية. وإحدى الخطط الزراعية لتلطيف آثار
غاز الدفيئة هي تشظي الكربون، حيث يزيل المحصول ثنائي أكسيد الكربون من
الجو أثناء عملية التركيب الضوئي، وتتحول البقايا غير المحصودة وجذور
النباتات إلى مادة التربة العضوية التي يشكل الكربون 58% منها. إن حوالي نصف مجمل قدرة أراضي المحاصيل الأمريكية لتشظية كربون التربة يأتي من الزراعة الحافظة، بما فيها عدم الحراثة.
إضافة
إلى ذلك، يمكن لعدم الحراثة أن يوفر ميزات اقتصادية للمزارعين.
فتكرارية المرور على الحقل التي يحتاج إليها تأسيس المحصول وحصاده
تنخفض بأسلوب عدم الحراثة إلى أربعة أو أقل بدلا من سبعة أو أكثر. كما
تتطلب من 50 إلى 80% أقل وقودا ومن 30 إلى 50%
أقل عملا مقارنة بالزراعة المعتمدة على الحراثة، وهذا يخفض بشكل ملموس
تكاليف إنتاج الإيكر. ومع أن تكلفة التجهيزات المتخصصة للبذار من دون
حراثة يمكن أن تكون عالية، كما في بعض البذَّارات العالية التخصص التي
يزيد سعرها على000 100
دولار، فإن الإدارة والمحافظة على تجهيزات الحراثة الأخرى لا تعود
ضرورية، مما يخفض من الرأسمال الكلي ونفقات تشغيل الآلات التي يتطلبها
تأسيس المحصول، حتى 50%. وبهذا
التوفير في الوقت والمال يصبح المزارعون أكثر قدرة على المنافسة في
المستويات الأصغر، أو يمكنهم من التوسع وزراعة مساحات أكبر، وفي بعض
الحالات يمكنهم من مضاعفة مساحة الأرض المزروعة باستعمال التجهيزات
وقوة العمل ذاتها. وأكثر من ذلك، فإن كثيرا من المزارعين يسرهم أن
الوقت الذي سبق أن كرس للحراثة يمكن أن ينفق في أوجه أكثر استحقاقا في
الزراعة أو الحياة الأسرية أو الترفيه، ومن ثم يُمكّنهم من تحسين نوعية
حياتهم بأكملها.
[تمهيد]
كيف يُقارن عدم الحراثة(******)
تقارن
هنا ثلاثة نظم زراعية لدورة محصولية ذرة ـ فول الصويا في حزام الذرة في
الولايات المتحدة الأمريكية. يتطلب نظام عدم الحراثة زيارات أقل للحقل.
|
رهان المزرعة(*******)
يمكن
أن ينجح أسلوب عدم الحراثة وأنظمتها الحافظة الأخرى في مجال واسع من
المناخات والترب والمناطق الجغرافية. كما يمكن الاستمرار في تطبيق عدم
الحراثة على معظم المحاصيل، باستثناء أراضي الأرز الرطبة والمحاصيل
الجذرية مثل البطاطا. وحتى عام 2004، وهي أحدث سنة توفرت فيها البيانات، كان المزارعون يمارسون عدم الحراثة فقط في 236 مليون إيكر في كافة أنحاء العالم، وهذا لا يصل حتى إلى 7% من المساحة المحصولية في العالم.
ومن
البلدان الخمسة الأولى ذات المساحات الأكبر في اتباع أسلوب عدم
الحراثة تأتي الولايات المتحدة أولا، تليها البرازيل، فالأرجنتين، ثم
كندا وأستراليا؛ أي إن حوالي 85% من أراضي عدم الحراثة تقع في شمال أمريكا وجنوبها. وفي الولايات المتحدة الأمريكية زُرع 41% من كافة أراضي المحاصيل المزروعة باستعمال نظم الحراثة الحافظة، وذلك في عام 2004 مقارنة مع 26% في عام 1990. ونشأ معظم هذا النمو عن التوسع في تبني عدم الحراثة والذي تضاعف في ذلك الوقت أكثر من ثلاث مرات، وأصبح يمارس في 22%
من مزارع الولايات المتحدة. والواضح أن هذا يعكس جزئيا حقيقة أن
مزارعي الولايات المتحدة يُشجعون على تحقيق الحراثة الحافظة ويشاركون
في الدعم الحكومي والبرامج الأخرى. وقد كان تبني عدم الحراثة في أمريكا
الجنوبية سريعا نسبيا نتيجة للجهود المنسقة بين القائمين على الإرشاد
الزراعي الجامعي والمجتمعات الزراعية المحلية، وذلك لتطوير نظم محلية
في الزراعة من دون حراثة بما سيتناسب مع احتياجاتهم الخاصة.
ومن
جهة أخرى، فإن معدلات تبني هذا الأسلوب كانت منخفضة في أوروبا
وإفريقيا ومعظم أجزاء آسيا. وتطبيق عدم الحراثة كان صعبا على وجه
الخصوص في البلدان النامية في إفريقيا وآسيا، وذلك لأن المزارعين
يستعملون غالبا بقايا المحصول في الوقود والعلف الحيواني وأغراض أخرى.
فضلا على ذلك، فإن البذّارات الخاصة التي تتطلبها زراعة المحصول وكذلك
المبيدات اللازمة لمقاومة الأعشاب قد تكونان غير متاحتين. كما يمكن أن تشكل
تكلفتها العالية عائقا للمزارعين في تلك الأجزاء من العالم. وفي الوقت
نفسه، فإن غياب السياسات الحكومية التي تشجع عدم الحراثة في أوروبا،
إضافة إلى تنامي القيود على استعمال مبيدات الآفات (بما فيها مبيدات
الأعشاب)، من بين متغيرات أخرى تركت المزارعين بدافع ضئيل لتبني هذا
الأسلوب.
إن
التغيّر من الزراعة المعتمدة على الحراثة إلى عدم الحراثة ليس سهلا.
وتكمن صعوبة هذا التحول في الاعتقاد السائد بأن عدم الحراثة يعرّض
لمجازفة أكبر في فشل المحصول أو لعائدٍ صافٍ أقل من الزراعة التقليدية،
مما أعاق بشكل جاد التبني الواسع لهذا الأسلوب. ومع أن المزارعين
يتقبلون فكرة أن الزراعة ليست مهنة آمنة من الفشل، فإنهم يترددون في
تبني أساليب ممارسة جديدة إذا كانت المخاطرة بالفشل فيها أعلى مما هي في
الممارسة التقليدية. وبسبب كون عدم الحراثة انحرافا جذريا عن ممارسات
الزراعة الأخرى، فإن المزارعين الذين يقومون بالتحوّل إلى عدم الحراثة
يواجهون صعوبات في التعلم الذي يفرضه هذا التحول. وإضافة إلى الحاجة
إلى ممارسات حقلية مختلفة، فإن للتحول تأثيرات أساسية في ترب الحقول
والمزارع. فمثلا، يمكن أن تظهر أنواع مختلفة من الآفات عند ذلك التحول.
ويمكن أن تتغير أنواع الأعشاب وأمراض المحاصيل. كما يمكن على سبيل
المثال أن تُشجع المستويات المرتفعة من الرطوبة المرافقة لعدم الحراثة
الأمراض الفطرية المتولدة في التربة والتي كانت الحراثة تبقيها تحت
السيطرة. وفي الحقيقة، فإن اكتشاف أمراض جديدة في المحاصيل قد ترافق
أحيانا مع التحول لعدم الحراثة.
وجها عدم الحراثة(********)
إيجابيات
تُنقص تعرية التربة
تحفظ الماء
تحسِّن صحة التربة
تخفض تكلفة الوقود والعمل
تخفض التلوث بالرواسب والأسمدة في البحيرات والجداول
تشظي الكربون
سلبيات
صعوبة التحول من الزراعة التقليدية إلى عدم الحراثة.
التجهيزات المطلوبة مكلفة
زيادة الاعتماد على مبيدات الأعشاب
الأعشاب والأمراض والآفات الأخرى السائدة يمكن أن تتغير بطريقة غير متوقعة
يمكن أن تتطلب في البداية مزيدا من السماد النتروجيني
يمكن أن تبطئ الإنتاش(5) وتخفض الإنتاج.
|
وتحتاج
بعض التغيرات التي تنجم عن عدم الحراثة، إلى سنوات أو عقود كي تظهر
للعيان، كما أن على المزارعين البقاء محترسين وقابلين للتأقلم مع أوضاع
جديدة، وأحيانا غير متوقعة، مثل تلك التي تنشأ عن تحولات في التربة
وظروف البقايا أو إدارة التسميد. وخلال هذا التحول، هناك مجازفة حقيقية
في نقص الإنتاج أو فشل المحصول. وعلى سبيل المثال، فإن بعض المزارعين
الذين اتبعوا أسلوب عدم الحراثة في الثمانينات من القرن الماضي في
منطقة پالوس، قد توقفوا عن العمل. وتبعا لذلك، فعلى المزارعين الراغبين في
التحول إلى عدم الحراثة أن يحددوا في البداية المساحات المحولة ب10 حتى 15% فقط من كامل مزارعهم.
غالبا
ما يطلع المزارعون البادئون بتقانة عدم الحراثة على العمليات الناجحة
ويشكلون مجموعات دعم محلية، حيث يتشاركون في الخبرة ويناقشون مشكلات
معينة. ويمكن للنصيحة التي يتلقونها في المناطق المحدودة التبني لعدم
الحراثة أن تكون ناقصة أو متناقضة، كما يمكن أن يكون للتفاوت في المعرفة
أو الخبرة أو التقانة نتائج كارثية محتملة. وإذا نمى الاعتقاد بأن عدم
الحراثة أكثر خطورة من التقانات التقليدية في المجتمع الزراعي، فإن
البنوك (المصارف) قد لا تقرض مزارعي عدم الحراثة. وتبعا لذلك فإن
المزارعين الذين يستأجرون الأراضي يمكن أن يجدوا مالكيها معارضين لعدم
الحراثة بسبب خشيتهم من عدم الحصول على العائد نفسه. إن تحسين نوعية
تبادل المعلومات بين المزارعين والجامعات وأصحاب الأعمال في الزراعة
والوكالات الحكومية سيسهم من دون شك وإلى حد بعيد في طريق التغلب على هذه
العوائق.
[حجة لعدم الحراثة]
المَكْسب(**********)
إن البطء الذي يعاد فيه بناء التربة يجعل حفظها ضرورة.
أحد
العيوب الأساسية للزراعة التقليدية أنها تُعزز تعرية
التربة السطحية، وبخاصة في الأراضي المنحدرة. فالحراثة
تترك سطح الأرض عاريا أو معرضا للانجراف، ومع كل شوط من
المحراث تُدفع التربة إلى الانحدار. ونتيجة لذلك، ترق ثخانة التربة
مع الزمن. ولا يعتمد الوقت الذي تستغرقه هذه العملية على السرعة
التي تدفع بها الحراثة التربة نحو الأسفل فقط ـ وتحملها
الرياح والجريان بعيدا ـ وإنما أيضا على السرعة التي يتفكك
فيها الصخر الحامل لتكوين تربة جديدة.
حينما
بدأت مصلحة حفظ التربة في الخمسينات من القرن الماضي
(والمعروفة الآن باسم مصلحة حفظ الموارد الطبيعية) بتحديد
المعدلات التي يمكن تحمّلها لتعرية التربة في الأراضي
الزراعية، كان من الصعب توفير بيانات عن معدلات تكوين
التربة. وتبعا لذلك حددت المصلحة ما يطلق عليه اصطلاح قيم تحمل فقد
التربة(7)، أو القيم T،
على أساس ما يمكن أن يفعله المزارعون لخفض التعرية من دون
«حدوث أثر اقتصادي غير مناسب» وباستعمال تجهيزات الزراعة
التقليدية. وتتناسب قيم T هذه مع مقدار تعرية قدره بوصة تعرية كل 25 سنة. ولكن الأبحاث الحديثة بينت أن معدل التعرية أسرع بكثير من المعدل الذي يعاد فيه بناء التربة.
وقد
بين العلماء، خلال العقود العديدة السابقة، أن قياس تركيز
نظائر معينة في التربة، تتشكل بمعدل معروف، يسمح بتقديرٍ
كميٍ مباشر لمعدلات تكوين الترب. ولتطبيق هذه التقانة على
ترب المناطق المعتدلة في شواطئ كاليفورنيا وجنوب شرق أستراليا،
وجد الجيولوجي <A. همساث> [من جامعة ولاية أريزونا] وزملاؤه أن معدلات تكوين التربة تتراوح بين 0.00118 و 0.00315 بوصة في السنة. وتبعا لذلك، يستغرق تشكيل بوصة من التربة في هذه الأمكنة من 300 إلى850 سنة. وقد أظهر تجميعي الشخصي [الكاتب] للبيانات العالمية لدراسات تكوين التربة والتي نشرت في عام 2006 في وقائع الأكاديمية الوطنية للعلومProceedings ofthe NationalAcademy ofSciences الأمريكية، أظهر معدلا متوسطا قدره 0.00067 إلى0.00142 بوصة في السنة ـ بما يساوي 700 إلى 1500 سنة لتشكيل بوصة من التربة.
وتتراوح ثخانة
التربة غير المخلخلة في منحدرات تلال المناطق المعتدلة
والاستوائية عموما من واحد إلى ثلاث أقدام. ومع المعدلات
الطبيعية لتكوين الترب والتي تتراوح من عدة قرون حتى آلاف
السنين لكل بوصة ومعدلات تعرية تقدر بالبوصات لكل قرن في
الزراعة المعتمدة على الحراثة، فسوف تستغرق عدة مئات إلى
ألفي سنة لاستمرار حراثة التربة في هذه المناطق. ويتنبأ هذا
التقدير البسيط بشكل جيد وملموس بدورة حياة الحضارة الزراعية
الأساسية حول العالم. وباستثناء وديان الأنهار الخصبة التي بدأت
الزراعة على طولها، فقد استمرت الحضارات عموما من 800 إلى 2000 عام، كما بينت الدراسات الجيوآثارية(8) الحالية وجود علاقة بين تعرية التربة وتدهور العديد من الحضارات القديمة.
وبوضوح
إذن، إذا رغبنا في حفظ الموارد لأجيال المستقبل، فإننا
نحتاج إلى بدائل عن ممارسات الزراعة التقليدية؛ وأنظمة عدم
الحراثة تخفض قوى التعرية والانجراف وتزيد من قدرة الأرض
على احتواء التربة في آن معا، جاعلة هذه الطرائق فعالة
بشكل ملموس في الحد من التعرية. وفي دراسة نشرت في عام 1993، وجد باحثون في جامعة كانتاكي أن طرق عدم الحراثة تخفض تعرية التربة بنسبة ضخمة 98%، وأورد باحثون من جامعة تينسي حديثا، أن زراعة التبغ من دون حراثة خفضت تعرية التربة بأكثر من90%
مقارنة بزراعة التبغ التقليدية. وعلى الرغم من أن تأثير
عدم الحراثة في معدلات التعرية يعتمد على عدد من العوامل
المحلية، مثل نمط التربة والمحصول، فإنها يمكن أن تخفض
معدلات التعرية لتصبح قريبة من معدلات تشكل التربة.
وقد
قدر باحثون في جامعة كورنيل في أواسط التسعينات من القرن
الماضي أن إصلاح ما تسببه تعرية التربة سيكلف الولايات
المتحدة الأمريكية 44 بليون دولار في السنة، وسيتطلب استثمارا سنويا يقدر بحوالي 6
بلايين دولار لجعل معدلات التعرية في أراضي محاصيل
الولايات المتحدة مسايرة لتشكيل التربة. كما قدروا أن كل
دولار يستثمر في المحافظة على التربة سوف يوفر على المجتمع
أكثر من 5 دولارات. ولأن تكلفة
إعادة التربة إلى الحقل بعد أن تغادره، أكثر من أن تُحتمل،
فمن الأفضل، والأكثر فعالية للمجتمع بصورة عامة هو حفظها
في الحقول في المقام الأول.
<R.D.
مو نتگومري>، أستاذ مورفولوجيا الأرض في جامعة واشنطن
وهو مؤلف «التراب: انحسار الحضارات».
|
ولهذا
النظام أيضا، سلبيات حتى بأيدي مزارعي عدم الحراثة المحنكين، لأن
إنتاج المحصول من دون حراثة في ترب ناعمة القوام ضعيفة الرشح يمكن أن
يكون معضلة على وجه الخصوص ينتج منها نقص في الإنتاج. فعلى سبيل
المثال، إن إنتاج الذرة من دون حراثة ينخفض من 5 إلى 10%
في مثل هذه الأنواع من الترب، مقارنة بالناتج من الحراثة التقليدية،
وبخاصة في الأقاليم الشمالية. وحيث إن بقايا المحاصيل تعيق أشعة الشمس
عن تدفئة التربة إلى الدرجة التي تحدث في الحراثة التقليدية، تكون
حرارة التربة أخفض في الربيع، مما قد يؤخر إنبات البذور ويحد من النمو
المبكر لمحاصيل الموسم الحار كما هو الحال في الذرة بالمناطق الشمالية.
لقد
تطلَّب عدم الحراثة في السنوات الأربع إلى الست الأولى استعمال المزيد
من السماد النتراتي لتلبية الاحتياجات الغذائية لبعض المحاصيل، وحتى 20%
أعلى مما يستعمل في نظم الحراثة التقليدية، لأن زيادة المواد العضوية
على السطح تثبت المغذيات، بما فيها النتروجين. وفي غياب الحراثة يعتمد
المزارعون بثقل أكثر على مبيدات الأعشاب الضارة لإبقاء الأعشاب الضارة
تحت السيطرة. وحاليا أصبحت الأعشاب المقاومة للمبيدات أكثر انتشارا في
مزارع عدم الحراثة. ويتطلب استمرار ممارسة عدم الحراثة الاعتماد إلى حد
كبير على تطوير مركبات جديدة مبيدة للأعشاب والخيارات الأخرى لإدارة
الأعشاب الضارة. وبغض النظر عن التكلفة، فإن زيادة الاعتماد على
الكيمياويات الزراعية يمكن أن تؤثر سلبا في الأنواع غير المستهدفة أو
تلوث الهواء والماء والتربة.
مكاملة أسلوب عدم الحراثة(***********)
لأسلوب
عدم الحراثة القدرة على تقديم عدد كبير من الفوائد التي تزداد الحاجة
إليها في عالم يواجه نموا سكانيا عاليا وتدهورا بيئيا وزيادة في أسعار
الطاقة وتغيرا مناخيا، وذلك من بين تحديات رهيبة أخرى. ولكن أسلوب عدم
الحراثة ليس علاجا لكل ما سبق؛ فمثل ذلك لا يوجد في الزراعة. وهو
بالأحرى، جزء من الرؤية الأوسع والمتطورة للزراعة المستدامة، والتي
فيها يُعد التنوع في طرائق الزراعة من عدم الحراثة إلى الزراعة العضوية
وخليط منهما أمرا صحيا. ونحن نعتقد في النهاية أن على المزارعين إدخال
الحراثة الحافظة وعدم الحراثة إذا كان ذلك مجديا في مزارعهم.
سيحتاج
عدم الحراثة في المستقبل إلى توظيف استراتيجيات أكثر تنوعا لإدارة
الآفات والأعشاب، تتضمن الأساليب البيولوجية والفيزيائية والكيميائية
التي تقلل من تهديد المقاومة لمبيدات الآفات. ويمكن لممارسات أنظمة
الزراعة العضوية الناجحة أن تكون مرشدة في هذا المجال. وأحد هذه
الأساليب الدورة الزراعية (وفيها يزرع المزارعون سلسلة من المحاصيل
المختلفة في المكان نفسه في المواسم المتتالية)، التي تساعد في حرب عدم
الحراثة على الآفات والأعشاب الضارة عن طريق تحطيم دورات الأعشاب والآفات
والأمراض التي تنشأ عن زراعة النوع نفسه باستمرار.
[أين استُعملت]
فدادين عدم الحراثة(************)
إن أقل من 7 في المئة من أراضي العالم مزروعة باتباع طرائق عدم الحراثة. ومن ال236 مليون إيكر هذه، حوالي 85 في المئة تقع في شمال أمريكا وجنوبها.
|
وفي
هذا المضمار، ستدفعُ القدرة على زراعة أنواع مختارة من المحاصيل
المهمة اقتصاديا أسلوب عدم الحراثة قدما إلى الأمام وتجعله أكثر جاذبية
للمزارعين. إلا أن التركيز الحالي على الذرة لإنتاج الإيثانول في حزام
الذرة، في الوسط الغربي من الولايات المتحدة مثلا، يدفع إلى الزراعة
الأحادية (حيث يُزرع محصول واحد مثل الذرة في منطقة واسعة وتعاد زراعته
كل عام)، وهذا غالبا ما يجعل أسلوب عدم الحراثة أكثر صعوبة في هذه
المنطقة. ويستمر الخبراء بالنقاش حول جدوى تنمية محاصيل الوقود الحيوي
على الأراضي الزراعية؛ ولكن إذا قررنا الاستمرار بزراعة هذه المحاصيل،
فإننا سنحتاج إلى الأخذ بعين الاعتبار استعمال عدم الحراثة مع دورة
زراعية لإنتاج هذه المحاصيل بشكل مستدام. إن تطوير مزروعات بديلة
لإنتاج الطاقة الحيوية في الأراضي الهامشية، بما فيها المزروعات
المعمرة مثل switchgrass، يمكن أن يكمّل ويشجع على الزراعة من دون حراثة، كما هي الحال في زراعة حبوب غذائية تدوم طوال السنة وهي حاليا قيد التطوير(9).
واليوم، وبعد ثلاثة عقود من المحاولة الأولى لعدم الحراثة في مزرعة <J. إيستشلمان> في پالوس، فإنه يطبق هذا النظام على 100%
من أراضيه. وكان في تبنيه عدم الحراثة قد اتبع طريقا متدرجا حذرا ساعد
على جعل المخاطرة بنقص الإنتاج والعائد الصافي في حدها الأدنى. ولذا
فهو واحد من العديد من المزارعين، كبارا وصغارا، الذين يحصدون فوائد
جمة من عدم الحراثة ويساعدون على تطوير الزراعة باتجاه الاستدامة.
المؤلفان
David R. Huggins - John P. Reganold |
|
|
(*) NO-TILL: THE QUIET REVOLUTION
(**) Plowing Ahead
(***) AGRICULTURE MILSTONES
(****) Signing Up for No-Till
(*****) ADOPTION HURDLES
(******) HOW NO-TILL STACKS UP
(*******) Betting the Farm
(********) TWO SIDES OF NO-TILL
(*********) SOIL SAVER
(**********) PAY DIRT
(***********) NO-TILL ACREAGE
(************) Integrating No-Till
(1) conservation tillage
(2) flora
(3) founa
(4) soil carbon sequestration
(5) germination
(6) fallow
(7) soil loss tolerance values
(8) geoarcheological
(9)
انظر: Future Farming: A Return to Root, by Jerry D. Glover - Cindy
M. Cox - John P. Reganold; Scientific American, August 2007